فصل: الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها:

أكثر من هو بباديتها وأوديتها القريبة منها بنو الحسن الأشراف. وقد ذكر في التعريف من عرب الحجاز لأمٌ، وخالد، والمنتفق، والعايد، وزاد في مسالك الأبصار ذكر زبيد، وبنو عمرو، والمضارجة، والمساعيد، والزراق، وآل عيسى، وآل دغم، وآل جناح، والجبور. ثم قال: وديارهم يتلو بعضها بعضاً. قال الحمداني: وشرقي مكة خليجية، وبنو هزر ومنازلهم بيشة.
ومنهم من خثعم بنو منبه، وبنو فضيلة، ومعاوية، وآل مهدي، وبنو نضر، وبنو حاتم، والموركة، وآل زياد، وآل الصعافير، والشما وبلوس. ثم قال: ومنازلهم غير متباعدة.
أما العربان بالدرب المصري إلى مكة، فمن بركة الحجاج إلى عقبة أيلة للعائد من عرب الشرقية، ومن العقبة إلى الدأماء دون عيون القصب لبني عقبة، ومن الدأماء إلى أكدى لبلي، ومن أكدى إلى آخر الوعرات لجهينة، ومن آخر الوعرات إلى نهاية بدر وإلى نهاية الصفراء، ونقب علي لبني حسنٍ أصحاب الينبع؛ ويليهم من أقاربهم من بني حسن أصحاب بدر إلى رملة عالج في طرفقاع البزوة، ومن الصفراء إلى الجحفة ورابغ لزبيد، ومن الجحفة على قديد وما حولها إلى الثنية المعروفة بعقبة السويق لسليم، ومن الثنية على خليص إلى الثنية المشرقة على عسفان إلى الفج المسمى بالمحاطب لبني جابر؛ وهم في طاعة صاحب مكة، ومن المحاطب إلى مكة المعظمة لصاحب مكة وبني الحسن.
القاعدة الثانية: المدينة المشرفة النبوية:
على ساكنها أشرف الخلق محمدٍ أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام وفيها أربع جمل:
الجملة الأولى في حاضرتها:
المدينة ضبطها معروف، وهو اسم غلب عليها، وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}.
وقوله: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة}. واسمها القديم يثرب وبه نطق القرآن في قوله تعالى: {يا أهل يثرب لا مقام لكم}.
قال الزجاجي: وهو يثرب، بن قانية، بن مهلائيل، بن إرم، بن عبيل، بن عوص، بن إرم، بن سام، بن نوح؛ هو الذي بناها، وورد ذكره في الحديث أيضاً. قال الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره: وحديث النهي عن تسميتها بذلك ضعيف؛ وسماها الله تعالى الدار بقوله: {والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم}. وسماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء وفتح الباء الموحدة بعدها هاء وطابة بإبدال الياء بعد الطاء بألف. قال النووي: وهما من الطيب وهو الرائحة الحسنة، وقيل من الطيب خلاف الرديء، وقيل من الطيب بمعنى الطاهر؛ وقيل من طيب العيش. وزاد السهيلي في أسمائها الجابرة بالجيم والباء الموحدة، والمحبة، والمحبوبة، والقاصمة، والمجبورة، والعذراء، والمرحومة؛ وكانت تدعى في الجاهلية غلبة لأن اليهود غلبوا عليها العماليق، والأوس والخزرج غلبوا عليها اليهود. قال صاحب حماة: وهي من الحجاز، وقيل من نجدٍ، وموقعها قريب من وسط الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في كتاب الأطوال: وطولها خمس وستون درجة وثلث، وعرضها إحدى وعشرون درجة. وقال في القانون: طولها سبع وستون درجة ونصف، وعرضها إحدى وعشرون درجة وثلث. وقال ابن سعيد: طولها خمس وستون درجة وثلث، وعرضها خمس وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة. وقال في رسم المعمور: طولها خمس وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها خمس وعشرون درجة.
وقد ذكر صاحب الهناء الدائم، بمولد أبي القاسم أن أول من بناها تبعٌ الأول، وذكر أنه مر بمكانها وهي يومئذ منزلة بها أعين ماء، فأخبره أربعمائة عالم من علماء أهل الكتاب لهم عالم يرجعون إليه أن هذا موضع مهاجر نبي يخرج في آخر الزمان من مكة اسمه محمد، وهو إمام الحق؛ فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وبنى المدينة، وأنزلهم بها وأعطى كلاً منهم مالاً يكفيه وكتب كتاباً فيه: أما بعد يا محمد فإني آمنت بك وبربك، وبكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام والإيمان، وإني قلت ذلك فإن أدركتك فيها ونعمت، وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة، ولا تنسني فإني من أمتك الأولين وتابعتك قبل مجيئك، وقبل أن يرسلك الله، وأنا على ملة أبيك إبراهيم.
وختم الكتاب ونقش عليه: لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.
وكتب عنوانه: إلى محمد بن عبد الله خاتم المرسلين، ورسول رب العالمين، صلى الله عليه وسلم من تبع الأول حمير، أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه.
ودفع الكتاب إلى رئيس العلماء المذكورين، وتداوله بنوه بعده إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتلقاه به بعض أولاد ذلك العالم بين مكة والمدينة، وتاريخ الكتاب يومئذ ألف سنة بغير زيادة ولا نقص. وقيل في بنائها غير ذلك، وهي مدينة متوسطة في مستو من الأرض، والغالب على أرضها السباخ، وفي شماليها جبل أحدٍ، وفي جنوبها جبل عير؛ وكان عليها سور قديم وبخارجها خندقٌ محفور؛ وهو الذي حفره النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب.
وفي سنة ست وثلاثين ومائتين بنى عليها إسحاق بن محمد الجعدي سوراً منيعاً، وجدده عضد الدولة بن بويه الديلمي في سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة، وهو باق عليها إلى الآن؛ ولها أربعة أبواب: بابٌ في الشرق يخرج منه إلى البقيع؛ وباب في الغرب يخرج منه إلى العقيق وقباءٍ، وبينيدي هذا الباب جدأول ماء جارية، وبوسطها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مسجد متسع إلا أنه لم يبلغ في القدر مبلغ مسجد مكة.
قال ابن قتيبة في كتاب المعارف: وكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه الجريد وعمده النخل، ولم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر، ثم غيره عثمان وزاد فيه عثمان زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وبالقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة؛ ووسعه المهدي سنة ستين ومائة؛ وزاد فيه المأمون زيادة كبيرة في سنة اثنتين ومائتين؛ ولم تزل الملوك تتداوله بالعمارة إلى زماننا.
وبه الحجرة الشريفة التي بها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما بحجرته الشريفة دائرٌ عليه مقصورةٌ مرتفعة إلى نحو السقف، عليه ستر من حرير أسود؛ وخارج المقصورة بين القبر والمنبر الروضة التي أخبر صلى الله عليه وسلم أنها روضةٌ من رياض الجنة.
وقد ذكر أهل الأثر: أن المنبر كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث درجات بالمقعد، وارتفاعه ذراعان وثلاث أصابع، وعرضه ذراع راجح، وارتفاع صدره وهو الذي يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراع، وارتفاع رمانتيه اللتين كان يمسكهما صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين إذا جلس شبرٌ وأصبعان، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة؛ وبقي على ذلك إلى أيام معاوية فكتب إلى مروان عامله على المدينة أن ارفعه عن الأرض فزاد من أسفله ست درجات ورفعه عليها فصار له تسع درجات بالمجلس. قيل: وصار طوله أربعة أذرع وشبراً.
ولما حج المهدي بن المنصور العباسي سنة إحدى وستين ومائة، أراد أن يعيده إلى ما كان عليه فأشار عليه الغمام مالك بتركه خشية التهافت فتركه؛ ويقال: إن المنبر الذي صنعه معاوية ورفع منبر النبي صلى الله وسلم عليه عليه، تهافت على طول الزمان، وجدده بعض خلفاء بني العباس واتخذ من بقايا أعواد منبر النبي صلى الله عليه وسلم أمشاطاً للتبرك، ثم احترق هذا المنبر لما احترق المسجد في مستهل رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة أيام المستعصم بالله، وشغل المستعصم عن عمارته بقتال التتار، فعمل المظفر صاحب اليمن المنبر، وبعث به إلى المدينة سنة ست وخمسين وستمائة، فنصب في موضع منبر النبي صلى الله عليه وسلم فبقي إلى سنة ست وستين وستمائة، فأرسل الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر المنبر الموجود الآن فأزيل ذاك ووضع هذا وطوله أربعة أذرع، ومن رأسه إلى عتبته سبعة أذرع تزيد قليلاً، ودرجاته سبع بالمقعد والأمر على ذلك إلى الآن.
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها:
وهي على ضربين:
الضرب الأول: حماها ومرافقها:
واعلم أن للمدينة الشريفة حمىً، حماه النبي صلى الله عليه وسلم وحرمه كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة. قال في الروض المعطار: حماها اثنا عشر ميلاً؛ وخارج بابها الشرقي البقيع المتقدم ذكره، وهو مدفن أكثر أمواتها، وهو بالباء الموحدة في أوله، ويسمى بقيع الغرقد- بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح القاف ودال مهملة في الآخر. قال الأصمعي: سمي بذلك لأنه قطع ما به من شجر الغرقد يوم مات عثمان رضي الله عنه. وبه قبر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب؛ وإلى جانبه قبر العباس: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقبر عثمان بن عفان رضي الله عنه في قبة دونهما، وقبر مالك بن أنس إمام المذهب المعروف؛ وحول المدينة حدائق النخل الأنيقة؛ وثمرها من أطيب الثمر وأحسنه، وغالب قوت أهلها منه.
الضرب الثاني في مخاليفها وقراها:
والمشهور منها ثمانية أماكن:
الأول قباء- بضم القاف وفتح الباء الموحدة وألف في الآخر- ويروى بالمد والقصر والمد أشهر. قال في الروض المعطار: ومن العرب من يذكره فيصرفه، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه. قال: وسميت قباء ببئر كانت بدار توبة ابن الحسن بن السائب بن أبي لبابة يقال لها قباء، وهي قرية غربي المدينة على ميلين منها، وبها مسجد التقوى الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: {لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يومٍ أحق أن تقوم فيه}. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل يوم سبت راكباً وماشياً؛ ومصلاه بها مشهور.
الثاني خبير- بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر- قال الزجاجي: سميت بخيبر بن قانية وهو أول من نزلها، وهي بلدة بالقرب من المدينة الشريفة. قال ابن سعيد: طولها أربع وستون درجة وست وخمسون دقيقة، وعرضها سبع وعشرون درجة وعشرون دقيقة. وهي بلدة عامرة آهلة ذات نخيل وحدائق ومياهٍ تجري. قال في تقويم البلدان: وهي بلدة بني عنزة من اليهود، والخيبر في لغة اليهود الحصن، وهي في جهة الشمال والشرق عن المدينة على نحو ست مراحل وقيل أربع مراحل. قال الإدريسي: وهي ذات نخيل وزرع، وكانت في صدر الإسلام داراً لبني قريظة والنضير، وبها كان السموءل بن عاديا الشاعر المشهور.
الثالث فدك- بفتح الفاء والدال المهملة وكاف في الآخر- قال الزجاجي: سميت بفدك بن حام، وقيل: سميت بفيد بن حام، وهو أول من نزلها.
قال في الروض المعطار: وبينها وبين المدينة يومان، وحصنها يقال له الشمروخ على القرب من خيبر، وكان أهلها قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على النصف من ثمارها في سنة أربع من الهجرة، ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت له صلى الله عليه وسلم خالصةً؛ وكان معاوية بن أبي سفيان قد وهبها لمروان بن الحكم، ثم ارتجعها منه لموجدة وجدها عليه. فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، ردها إلى ما كانت عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تغل في أيام إمرته عشرة آلاف دينار، يتجافى عنها.
الرابع الصفراء- مؤنث أصفر- وهو وادٍ على ست مراحل من المدينة كثير المزارع والمياه والحدائق. أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة وعشرين نهراً على كل نهر قرية، وعيونه تصب فضلها إلى ينبع؛ وهو بيد بني حسن الشرفاء.
الخامس ودان- بفتح الواو وتشديد الدال المفتوحة وألف ونون- وهو وادٍ به قرىً خراب لا تحصى كثرة.
السادس الفرع- بضم الفاء وسكون الراء المهملة وبالعين المهملة- وهو وادٍ في جنوبي المدينة على أربعة أيام منها يشتمل على عدة قرىً آهلة، أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة عشر نهراً على كل نهر قرية، وماؤها يصب في رابغ حيث يحرم حجاج مصر، وعليها طريق المشاة من مكة إلى المدينة. قال في الروض المعطار: ويقال إنها أول قرية مارت إسماعيل عليه السلام التمر بمكة، وهي الآن بيد بني حرب.
السابع الجار- قال في اللباب: بفتح الجيم وألف وراء مهملة- وهي فرضة المدينة الشريفة على ثلاث مراحل منها. قال ابن حوقل: وبينها وبين ساحل الحجفة نحو ثلاث مراحل، منه عن أيلة على نحو عشرين مرحلة.
الثامن وادي القرى- بضم القاف وفتح الراء المهملة وألف في الآخر جمع قرية. قال في الروض المعطار: وهي مدينة كثيرة النخيل والبساتين والعيون، وبها ناس من ولد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الغالبون عليها، وتعرف بالواديين، والذي أخبرني به بعض أهل الحجاز أنه كان بها عيون كثيرة عليها عدة قرىً فخربت لاختلاف العرب، وهي الآن خراب لا عامر بها ولو عمرت أغنت أهل الحجاز عن الميرة من غيرها. 1 قلت: وبالغ الإدريسي في نزهة المشتاق فعد من مخالفيها تيماء ودومة الجندل، ومدين، والتحقيق خلاف ذلك.
فأما تيماء- بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت وميم ثم ألف في الآخر- فقد عدها في تقويم البلدان من بادية الشام تقريباً. قال في العزيزي: وهي حاضرة طييء وبها الحصن المعروف بالأبلق المنسوب إلى السموءل بن عاديا. قال في تقويم البلدان: وهي الآن أعمر من تبوك، وبها نخيل قائمة.
وأما دومة الجندل فقال في تقويم البلدان: هو موضع فاصل بين الشام والعراق على سبع مراحل من دمشق، وبينه وبين المدينة الشريفة ثلاث عشرة مرحلة.
وأما مدين فقد تقدم ذكرها في الكلام على كور مصر القديمة، ووقع الكلام عليها هناك وإن كان الحق أنها من ساحل الحجاز.
الجملة الثالثة في ذكر ملوك المدينة وأمرائها:
وهم على ضربين:
الضرب الأول من قبل الإسلام:
وهم ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: التبابعة:
قد تقدم في الكلام على بنائها نقلاً عن صاحب الهناء الدائم: أن تبعاً الأول هو الذي بناها وأسكنها جماعةً من علماء أهل الكتاب، وكتب كتاباً وأودعه عندهم ليوصله من أدركه من أبنائهم إليه، وبقي الكتاب عندهم يتوارثونه حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتلقاه من صار إليه الكتاب منهم وأوصل الكتاب إليه.
وحينئذ فيكون أول من ملكها التبابعة.
الطبقة الثانية: العمالقة من ملوك الشام:
قال السهيلي: وأول من نزلها منهم يثرب، بن عبيل، بن مهلائيل، بن عوص، بن عملاق، بن لاوذ، بن إرم، بن سام، بن نوح عليه السلام فسميت به.
قال في الروض المعطار: وكانت هذه الأمة من العماليق يقال لها جاسم، وكانوا قد استولوا على مكة وسائر الحجاز، وكانت قاعدة ملكهم تيماء، وكان آخر ملوكهم الأرقم بن أبي الأرقم.
الطبقة الثالثة: ملوكها من بني إسرائيل ومن انضم إليهم من الأوس والخزرج:
قال في الروض المعطار: لما ظهر موسى عليه السلام على فرعون، بعث بعثاً من بني إسرائيل إلى الحجاز وأمرهم أن لا يستبقوا منها أحداً بلغ الحلم، فقتلوهم حتى انتهوا إلى ملكهم الأرقم بتيماء فقتلوه وأبقوا له ابناً صغيراً ليرى موسى عليه السلام فيه رأيه. فلما رجعوا به إلى الشام وجدوا موسى عليه السلام قد توفي، فقال لهم الناس: عصيتم وخالفتكم أمر نبيكم؛ وحالوا بينهم وبين الشام، فقال بعضهم لبعض: خيرٌ من بلدكم البلد الذي خرجتم منه، فعادوا إلى الحجاز فنزلوه، فكان ذلك أول سكنى اليهود الحجاز، فنزل جمهورهم بمكان يقال له يثرب بمجتمع السيول واتخذوا الآطام والمنازل، ونزل معهم جماعةٌ من أحياء العرب من بلي وجهينة.
وكانت يثرب أم قرى المدينة وهي ما بين طرف قباء إلى الجرف؛ ثم لما كان من سيل العرم باليمن ما كان، تفرق أهل مأرب، فأتى الأوس والخزرج يثرب لليهود فحاربوهم، وكان آخر الأمر أن عقدوا بينهم وبينهم جواراً واشتركوا وتحالفوا، فلم يزالوا على ذلك زماناً طويلاً، فصارت للاوس والخزرج ثروةٌ ومال وعز جانبهم فخافهم اليهود، فقطعوا الحلف، وخافهم الأوس والخزرج فبعثوا إلى من لهم بالشام فأعانوهم حتى أذلوا اليهود وغلبوهم عليها، وبقيت بأيديهم حتى جاء الإسلام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها وهم رؤساؤها وحكامها.
الضرب الثاني من في زمن الإسلام:
وهم أربع طبقات:
الطبقة الأولى من كان بها في صدر الإسلام:
كان بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي في سنة إحدى عشرة من الهجرة. ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أن توفي سنة اثنتي عشرة من الهجرة. ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة ثلاث وعشرين. ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة خمس وثلاثين. ثم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى أن قتل سنة أربعين. ثم الحسن بن علي بن أبي طالب إلى أن سلم الأمر لمعاوية سنة إحدى وأربعين من الهجرة النبوية.
الطبقة الثانية: عمال الخلفاء من بني أمية:
ولى عليها معاوية سنة اثنتين وأربعين من الهجرة مروان بن الحكم. ثم عزله سنة تسع وأربعين وولى مكانه سعيد بن العاص. ثم عزله سنة أربع وخمسين ورد إليها مروان بن الحكم. ثم عزله سنة تسع وخمسين وولى مكانه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
ثم عزله يزيد بن معاوية عن المدينة والحجاز وولى مكانه عمرو بن سعيد الأشدق ثم عزله سنة إحدى وستين وأعاد الوليد بن عتبة.
ثم استعمل ابن الزبير عند غلبته على المدينة أخاه مصعباً سنة خمس وستين؛ ثم نقله إلى البصرة وولى مكانه جابر بن الأسود بن عوف الزهري؛ ثم ولى مكانه طلحة بن عبد الله بن عوف.
ثم غلب عبد الملك بن مروان على الخلافة فبعث على المدينة طارق بن عمرو فغلب عليها طلحة بن عبد الله وانتزعها منه. ثم انفرد عبد الملك بالخلافة وولى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة الحجاج بن يوسف وعزل طارقاً عن المدينة وجعله من جنده. ثم ولى عليها سنة سبع وسبعين أبان ابن عثمان. ثم عزله في سنة اثنتين وثمانين وولى مكانه هشام بن إسماعيل المخزومي.
ثم كانت خلافة الوليد بن عبد الملك فعزل هشام بن إسماعيل وولى مكانه عثمان بن حيان.
ثم تولى عليها أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أيام سليمان بن عبد الملك.
ثم استعمل عليها عمر بن عبد العزيز في خلافته عبد العزيز بن أرطاة. ثم عزله يزيد بن عبد الملك سنة ثلاث ومائة وولى مكانه عبد الرحمن بن الضحاك وأضاف إليه مكة؛ ثم عزله لثلاث سنين من ولايته وولى مكانه على مكة والمدينة عبد الواحد النضري.
ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى عليها وعلى مكة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي. ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولى مكانه بالمدينة خاصةً خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم. ثم عزله سنة ثمان عشرة ومائة وولى مكانه محمد بن هشام بن إسماعيل.
ثم ولى الوليد بن يزيد في خلافته خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي على المدينة وسائر الحجاز في سنة أربع وعشرين ومائة. ثم عزله يزيد في خلافته في سنة ست وعشرين ومائة وولى مكانه عبد العزيز بن عمرو بن عثمان. ثم ولى مروان على المدينة وسائر الحجاز. ثم عزله في سنة سبع وعشرين ومائة وولى مكانه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز. ثم عزله في سنة تسع وعشرين ومائة وولى مكانه على المدينة وسائر الحجاز عبد الواحد.
الطبقة الثالثة: عمالها في زمن خلفاء بني العباس:
لما ولي السفاح الخلافة ولى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة عمه داود. ثم توفي داود سنة ثلاث وثلاثين ومائة فولى مكانه في جميع ذلك زياد ابن عبد الله بن عبد المدان الحارثي. ثم ولى سنة ثلاث وأربعين ومائة على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري. ثم اتهمه في أمر فعزله وولى مكانه رياح بن عثمان المري فقتله أصحاب محمد المهدي؛ فولى مكانه عبيد الله بن الربيع الحارثي.
ثم عزله المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولى مكانه على المدينة جعفر ابن سليمان. ثم عزله في سنة خمسين ومائة وولى مكانه الحسن بن زيد بن الحسن. ثم عزله المنصور في سنة خمس وخمسين ومائة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي.
ثم عزله المهدي في خلافته سنة تسع وخمسين ومائة وولى مكانه محمد ابن عبد الله الكثيري. ثم عزله وولى مكانه زفر بن عاصم. ثم تولى على المدينة والحجاز جعفر بن سليمان. ثم كان بها محمد بن عيسى بعد مدة.
وعزله المتوكل وولى مكانه المستنصر بن المتوكل. وتوالى عليها عمال بني العباس إلى عشر الستين والمائة.
الطبقة الرابعة: أمراء الأشراف من بني حسين الذين منهم الأمراء المستقرون في إمارتها إلى الآن:
كانت الرياسة بالمدينة آخر لبني الحسن بن علي وكان منهم أبو جعفر عبد الله، بن الحسين الأصغر، بن علي زين العابدين، بن الحسين السبط، بن علي، بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكان من جملة ولده جعفرٌ حجة الله، ومن ولده الحسن، ومن ولد الحسن يحيى الفقيه النسابة، كانت له وجاهة عظيمة وفخر ظاهر، وتوفي سنة ست وسبعين ومائتين؛ ومن ولده أبو القاسم طاهر بن يحيى، ساد أهل عصره وبنى داراً بالعقيق ونزلها، وتوفي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة.
وكان من ولده الحسن بن طاهر رحل إلى الأخشيد بمصر، وهو يومئذ ملكها، فأقام عنده وأقطعه الأخشيد ما يغل في كل سنة مائة ألف دينار واستقر بمصر؛ وكان له من الولد طاهر بن الحسن، وتوفي سنة تسع وعشرين وثلثمائة، وخلف ابنه محمداً الملقب بمسام، وكان صديقاً لكافور الأخشيدي صاحب مصر، ولم يكن في زمنه بمصر أوجه منه. ولما اختل أمر الأخشيدية دعا مسلم هذا للمعز صاحب إفريقية يومئذ. ولما قدم المعز إلى الديار المصرية بعد فتح جوهر القائد لها، تلقاه مسلم بالجمال بأطراف برقة من جهة الديار المصرية، فأكرمه وأركبه معدلاً له واختص به؛ ثم توفي سنة ست وستين وثلثمائة فصلى عليه المعز، وكانت له جنازة عظيمة.
وكان من ولد مسلم هذا طاهر أبو الحسين فلحق طاهرٌ بالمدينة الشريفة فقدمه بنو الحسين على أنفسهم واستقل بإمارتها سنين، وكان يلقب بالمليح، وتوفي سنة إحدى وثمانين وثلثمائة؛ وولي بعده ابنه الحسين بن طاهر وكنيته أبو محمد. قال العتبي: وكان موجوداً في سنة سبع وتسعين وثلثمائة وغلبه على إمارتها بنو عم أبيه أبي أحمد القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة الله واستقلوا بها.
وكان لأبي أحمد القاسم من الولد داود ويكنى أبا هاشم. وقال العتبي: الذي ولي بعد طاهر بن مسلم صهره وابن عمه داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر، وكناه أبا علي.
وقال ابن سعيد: ملك أبو الفتوح الحسن بن جعفر من بني سليمان إمرة مكة والمدينة سنة تسعين وثلثمائة بأمر الحاكم العبيدي وأزال إمرة بني الحسين منها، وحأول الحاكم نقل الجسد الشريف النبوي إلى مصر ليلاً فهاجت بهم ريحٌ عظيمة أظلم منها الجو، وكادت تقتلع المباني من اصلها، فردهم أبو الفتوح عن ذلك وعاد إلى مكة ورجع أمراء المدينة إليها.
وكان لداود بن القاسم من الولد مهنا وهانيء والحسن. قال العتبي: ولي هانيء ومهنا وكان الحسن زاهداً.
وذكر الشريف الحراني النسابة هنا أميراً آخر منهم وهو أبو عمارة مدة كان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة. قال: وخلف الحسن بن داود ابنه هاشماً وولي المدينة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة من قبل المستنصر.
قال: وخلف مهنا بن داود عبيد الله والحسين وعمارة فولي بعده ابنه عبيد الله وكان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة وقتله موالي الهاشميين بالبصرة، ثم ولي الحسين وبعده ابنه مهنا بن الحسين.
قال الشريف الحراني: وكان لمهنا بن الحسين من الولد الحسين وعبد الله وقاسم فولي الحسين المدينة وقتل عبد الله في وقعة نخلة. وذكر صاحب حماة من أمرائها منصور بن عمارة الحسيني وأنه مات في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وقام ولده مقامه ولم يسمه؛ ثم قال وهم من ولد مهنا. وذكر منهم أيضاً القاسم بن مهنا حضر مع صلاح الدين بن أيوب فتح أنطاكية سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
وذكر ابن سعيد عن بعض مؤرخي الحجاز أنه عد من جملة ملوكها قاسم بن مهنا وانه ولاه المستضيء فأقام خمساً وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وولي ابنه سالم بن قاسم.
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وكان مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في فتوحاته يتبرك به ويتيمن بصحبته ويرجع إلى قوله. وبقي إلى أن حضر إلى مصر للشكوى من قتادة فمات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة. وولي بعده ابنه شيحة وقتل سنة سبع وأربعين وستمائة، وولي ابنه عيسى مكانه. ثم قبض عليه أخوة جماز سنة تسع وأربعين وستمائة وملك مكانه، وهو الذي ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف: أن الإمرة في بيته إلى زمانه. قال ابن سعيد: وفي سنة إحدى وخمسين وستمائة، كان بالمدينة أبو الحسين بن شيحة بن سالم. وقال غيره كان بالمدينة سنة ثلاث وخمسين وستمائة.
وولي أخوه جماز فطال عمره وعمي ومات سنة أربع أو خمس بعد السبعمائة.
وولي بعده ابنه منصور بن جماز، ثم وفد أخوه مقبل بن جماز على الظاهر بيبرس بمصر، فأشرك بينهما في الإمرة والإقطاع، ثم غاب منصور عن المدينة واستخلف ابنه كبيشة فهجم عليه مقبل وملكها من يده ولحق كبيشة بأحياء العرب فاستجاشهم وهجم المدينة على عمه مقبل فقتله سنة تسع وسبعمائة، ورجع منصور إلى إمارته؛ وبقي ماجد بن مقبل يستجيش العرب على عمه منصور بالمدينة ويخالفه إلى المدينة كلما خرج منها، ثم زحف ماجدٌ سنة سبع عشرة وسبعمائة، وملكها من يد عمه منصور، فاستصرخ منصور بالملك الناصر محمد ابن قلاوون صاحب مصر، فأنجده بالعساكر وحاصروا ماجداً بالمدينة ففر عنها وملكها منصور؛ ثم سخط عليه السلطان الملك الناصر فعزله؛ وولى أخاه ودي بن جماز أياماً، ثم أعاد منصوراً إلى ولايته، ثم هلك منصور سنة خمس وعشرين وسبعمائة؛ فولي ابنه كبيشة مكانه فقتله عسكر ابن عمه ودي وعاد ودي إلى الإمرة، ثم توفي ودي؛ فولي طفيل بن منصور بن جماز وانفرد بإمرتها، وهو الذي ذكر المقر الشهابي في التعريف: أنه كان أميرها في زمانه، وبقي إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فوقع النهب في الركب، فقبض عليه الأمير طاز أمير الركب؛ وولى مكانه سيفاً من عقب جماز، ثم ولي بعده فضلمن عقب جماز أيضاً، ثم ولي بعد فضل ماتع من عقب جماز، ثم ولي جماز بن منصور، ثم قتل بيد الفداوية أيام الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون؛ واتفق أمراء الركب على تولية ابنه هبة من عقب ودي فعزل ودي وولي مكانه، ثم ولي بعده عطية بن منصور بن جماز، فأقام سنين، ثم عزل وولي هبة بن جماز، ثم عزل وأعيد عطية، ثم توفي عطية وهبة وولي جماز بن هبة بن جماز؛ ثم عزل وولي نعير بن منصور بن جماز، ثم قتل، فوثب جماز بن هبة على إمارة المدينة واستولى عليها،؟ فعزله السلطان؛ وولى ثابت بن نعير، وهو بها إلى الآن في سنة تسع وتسعين وسبعمائة. وهو ثابت، ابن جماز، بن هبة، بن جماز، بن منصور، بن جماز، بن شيحة، بن سالم، بن قاسم، بن جماز، بن قاسم، بن مهنا، بن الحسين، بن مهنا، بن داود، بن القاسم، بن عبيد الله، بن طاهر، بن يحيى، بن الحسن، بن جعفر حجة الله، بن عبد الله بن الحسين الأصغر، بن علي زين العابدين، بن الحسين السبط، بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وإمرتها الآن متداولة بين بني عطية وبين بني جماز، وهم جميعاً على مذهب الإمامية الرافضة يقولون بإمامة الاثني عشر إماماً وغير ذلك من معتقدات الإمامية، وأمراء مكة الزيدية أخف في هذا الباب شأناً منهم.
الجملة الرابعة في ترتيب المدينة النبوية:
أما معاملاتها فعلى ما تقدم في الديار المصرية من المعاملة بالدنانير والدراهم، والأمر في الفلوس على ما تقدم في مكة؛ ويعتبر وزنها في المبيعات بالمن وهو مائتان وستون درهماً على ما تقدم في مكة؛ ويعتبر كيلها بالمد، وقياس قماشها بالذراع الشامي؛ وأسعارها نحو أسعار مكة، بل ربما كانت مكة أرخى سعراً منها لقربها من ساحل البحر بجدة.
وأما إمارتها فإمارة أعرابية كما في مكة من غير فرق.
وأما وفود الحجيج عليها، فقد جرت العادة أن كل من قصد السبق في العود إلى الديار المصرية من الجند وغيرهم يزور النبي صلى الله عليه وسلم عند ذهاب الركب إلى مكة ثم يعود بعد الحج إلى مصر من غير تعريج على المدينة، وباقي الحجيج وأمير الركب لا يأتونها للزيارة إلا بعد انقضاء الحج.
واعلم أن كسوة الحجرة الشريفة ليست مما يجدد في كل سنة كما في كسوة الكعبة، بل كلما بليت كسوة جددت أخرى، ويقع ذلك في كل نحو سبع سنين أو ما قاربها، وذلك أنها مصونة عن الشمس، بخلاف كسوة الكعبة فإنها بارزة للشمس فيسرع بلاؤها.
وقد حكى ابن النجار في تاريخ المدينة أن أول من كسا الحجرة الشريفة الثياب الحسين بن أبي الهيجاء صهر الصالح طلائع بن رزيك وزير العاضد، والعاضد آخر الخلفاء الفاطميين، عمل لها ستارة من الدبيقي الأبيض عليها الطرز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر، مكتوب عليها سورة يس بأسرها؛ والخليفة العباسي يومئذ المستضيء بأمر الله.
ولما جهزها إلى المدينة، امتنع قاسم بن مهنا أمير المدينة يومئذ من تعليقها حتى يأذن فيه المستضيء فنفذ الحسين بن أبي الهيجاء قاصداً إلى بغداد في استئذانه في ذلك فأذن فيه، فعلقت الستارة على الحجرة الشريفة نحو سنتين.
ثم بعث المستضيء ستارةً من الإبريسم البنفسجي عليها الطرز والجامات البيض المرقومة، وعلى دور جاماتها مرقومٌ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بالله، فقلعت الأولى ونفذت إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالكوفة، وعلقت ستارة المستضيء مكانها. ثم عمل الناصر لدين الله في خلافته ستارةً أخرى من الإبرسيم الأسود فعلقت فوق تلك. ثم عملت أم الخليفة الناصر بعد حجها ستارةً على شكل ستارة ابنها المتقدمة الذكر فعلقت فوق الستارتين السابق ذكرهما.
قال ابن النجار: ولم يزل الخلفاء في كل سنة يرسلون ثوباً من الحرير الأسود عليه علم ذهب يكسى به المنبر. قال: ولما كثرت الكسوة عندهم أخذوها فجعلوها ستوراً على أبواب الحرم، ولم يزل الأمر على ذلك إلى حين انقراض الخلافة من بغداد، فتولى ملوك الديار المصرية ذلك كما تولوا كسوة الكعبة على ما تقدم ذكره.
قلت: والستارة الآن من حرير أسود عليها طرز مرقوم بحرير أبيض، وآخر من عملها في العشر الأول من الثمانمائة السلطان الملك الظاهر برقوق.
وقد ذكر ابن النجار في تاريخ المدينة أيضاً أن الناصر لدين الله العباسي كان يرسل في كل سنة أربعة آلاف دينار للصدقة وألفاً وخمسمائة ذراع قطن لتكفين من يموت من الفقراء، خارجاً عما يجهزه للعمارة، وما يعده من القناديل والشيرج والشمع والند والغالية المركبة والعود: لأجل تبخير المسجد.
وذكر عن يوسف بن مسلم أن زيت قناديل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل من الشام حتى انقطع في ولاية جعفر بن سليمان الأخيرة على المدينة فجعله على سوق المدينة. ثم لما ولي داود بن عيسى في سنة ثمان وسبعين ومائة، أخرجه من بيت المال، ثم ذكر أنه كان في زمانه في خلافة الناصر لدين الله يصل الزيت من مصر من أوقافٍ بها سبعة وعشرين قنطاراً، كل قنطار مائة وثلاثون رطلاً بالمصري، ومائة وستون شمعة ما بين كبيرة وصغيرة، وعلبةٌ فيها مائة مثقال ند.